تعقد المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية سلسلة ندواتها عن الإسلام والمشكلات الطبية المعاصرة في الكويت مقر المنظمة .
وذلك بدعوة الأساتذة من علماء المسلمين في العلوم الطبية والفقهية والقانونية والإنسانية .
بهدف بحث المشكلات الطبية المعاصرة التي برزت من خلال التقدم الكبير والمستمر في العلوم الطبية وإيجاد الرأي الذي يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية وتأتي الأهمية المتزايدة لهذه الندوات من كون :
المحدثات الطبية كثيرة ومستمرة ونحن نتعامل معها يوميا ومن الضرورة أن نتبين الرأي الشرعي الذي يحدد الحلال والحرام سواء بالنسبة للطبيب أو من يضطر للجوء إلى إحدى هذه المحدثات الطبية وسلسلة الندوات التي تعقدها المنظمة الإسلامية للعلوم
الطبية تجمع بين الطرفين من فقهاء الإسلامي وعلماء العلوم الحياتية وتطرح الأبحاث المتطورة في مجالات المحدثات الطبية وتقيم الحوار والمناقشات لتبادل الرأي في إطار من الشريعة والخروج بعد ذلك بتكييف شرعي حتى يكون المسلمون على بينة من أمرهم بالنسبة لتعاملهم مع هذه المحدثات الطبية .
فالإسلام يشجع البحث العلمي والجهود العلمية التي تبذل لخدمة الإنسان والسيطرة على المرض وتقليل المعاناة وتخفيف الآلام على أن يكون ذلك منهجا قائما في إطار ديننا وشريعتنا .
وتهدف الندوات التي تعقدها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت إلى توضيح الرأي الشرعي في كل المحدثات الطبية التي قد يضطر المسلم إلى اللجوء إليها .. وبالتالي يكون على بينة من الحل والحرمة .
كما أن بيان الأحكام الشرعية بالنسبة لمحدثات الطبية له أهمية بالنسبة للجاليات الإسلامية في العالم الغربي ولمن سيتلقى العلاج خارج دول المسلمين .
وتجمع الندوات بين فقهاء الإسلام وعلماء العلوم الحياتية لتبادل الرأي والحوار المستنير للوصول إلى موقف الإسلام من المحدثات التي قد يكون لها جوانبها المضيئة من الناحية العلمية إذا تمشت مع الشريعة الإسلامية وأن تضئ الأمل أمام كثيرين.
ولكن إذا تركت هذه المحدثات الطبية التي تتفجر باستمرار وتكشف عن الجديد في عالم الطب أن تدرس في ضوء الإسلام والشريعة فإنها سوف تثير دون شك موجة من الاضطراب الاجتماعي في مجتمع الإسلام الذي يحرص على وضع الحدود بين ما يتفق والشريعة ما يخرج عنها أو ما بين الحل والحرمة
الندوة الأولى
الإنجاب في ضوء الإسلام
عقدت في 11 شعبان 1403 هـ الموافق : 24 مايو 1983 م
استهدفت الندوة توضيح الرأي الشرعي في كل المحدثات الطبية في مجال الإنجاب حيث إن المواطن المسلم قد يضطره الأمر إلى اللجوء إلى إحدى هذه المحدثات الطبية مما يستوجب توضيح الرأي الشرعي من الحل والحرمة ، كذلك الجمع بين الطرفين ــ فقهاء الإسلام وعلماء العلوم الحياتية ــ لإقامة حوار وتبادل الرأي والخروج ما أمكن بقرار توصية تتفق والشريعة الإسلامية .
وكان من أهم نتائج الندوة الأولى:
تشجيع إقامة هذا التجمع وتكراره في هذه المواضيع الحيوية التي أصبحت تواجه المسلم في يومه وغيرها من المستحدثات المستمرة في عالم الطب بوجه عام مما يتطلب ضرورة وضع الضوابط الشرعية لها.
كما أبرزت الندوة الأولى فضلا عن نجاح الحوار بين علماء وأساتذة الطب والفقهاء من خلال مقارنة الحجة بالحجة والحديث بالحديث والآية بالآية في تسامح ومحبة في إطار من الشريعة الإسلامية أبرزت أهمية تكرار مثل هذه اللقاءات التي تجمع الجميع تحت مظلة الشريعة الإسلامية في حوار إسلامي مستنير يهدف إلى الوصول لموقف الإسلام من هذه المحدثات.
كذلك كان من النتائج التي انتهت إليها الندوة الأولى ظهور الحاجة إلى تطعيم مناهج كليات الطب فى العالم الإسلامي بمزيد من الدراسات الإسلامية المتعلقة بأصول الفقه وكذلك تزويد الكليات الدينية بثقافة تتعلق بأحوال الأسرة من الناحيتين القانونية والطبية.
وتوصلت الندوة إلى أن تر بية الفرد المسلم التي تمثل أساس الممارسة اليومية وتنمية وازع الضمير في عمله وظهرت الضرورة لوضع ميثاق أخلاقي إسلامي للممارسات المختلة.
كما أبرزت الندوة الأولى أهمية واجب رجال الفقه الشرعي تجاه أساتذة وعلماء الطب والعلوم الحياتية بأن يرشدوهم ويبينوا لهم الطرق التي يسيرون فيها بأبحاثهم بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية.
وفي ختام جلسات الندوة التي طرحت فيها الأبحاث المتصلة بموضوع الإنجاب وما دار فيها من مناقشات وحوار تم استخلاص التوصيات التالية .
ا- عدم تشجيع قيام بنوك الحليب البشري المختلط فإذا دعت الضرورة الطبية إلى ذلك تنشأ بنوك بشري للأطفال ورأي فريق من المشاركين استنادا إلى رأي جمهور الفقهاء أنه ينبغي جمع الحليب بحيث تعرف صاحبة كل حليب واسم من وضع منها ويتم إثبات واقعة الرضاعة في سجلات محفوظة مع إشعار ذوي الشأن حرصا على عدم تزاوج من بينهم علاقة رضاعية محرمة في حين يرى بعضهم عدم الحاجة إلى معرفة صاحبة كل حليب ومن وضع منها استنادا إلى رأي الليث بن سعد وفقهاء الظاهرية ومن وافقهم ممن ذهب إلى أن الرضاعة لا تتحقق إلا بالمص من ثدي المرضع .
2 ــ اتفقت وجهة النظر الشرعية على عدم جواز التحكم في جنس الجنين إذا كان ذلك على مستوى الأمة أما على المستوى الفردي فإن محاولة تحقيق رغبة الزوجين المشروعة في أن يكون الجنين ذكرا أو أنثى بالوسائل الطبية المتاحة لا مانع منها شرعا عند بعض الفقهاء المشاركين في الندوة في حين رأى غيرهم جوازه خشية أن يؤدي ذلك إلى طغيان جنس على جنس .
3 ــ عدم التسرع في إبداء الرأي الشرعي في قضايا الاستنساخ بالنسبة للإنسان (على نحو ما أدت إليه التجارب في مجال الحيوان) مع الدعوة إلى مواصلة دراسة هذه القضايا طبيا وشرعيا.
4 ــ الاتفاق على جواز تطبيق تكنولوجيا التكاثر على مستوى الكائنات الدقيقة باستخدام بعض خصائص الحامض النووي معاود الالتحام في مجال إنتاج مواد علاجية وفيرة.
مع الحرص على استعمال خصائص الحامض المذكور. في كل ما ينفع الأمة ويدفع عنها الضرر.
5- أطفال الأنابيب (والرحم الظئر)
انتهت الندوة بالنسبة لهذا الموضوع إلى أنه جائز شرعا إذا تم بين الزوجين أثناء قيام الزوجية وروعيت الضمانات الدقيقة الكافية لمتع اختلاط الأنساب ( وإن كان هنا من تحفظ حتى على ذلك سدا للذرائع ) . واتفق على أن ذلك يكون حراما إذا كان في الأمر طرف ثالث سواء أكان منيا أم بويضة أم جنينا أم رحما.
6 ــ منع الحمل الجراحي ( التعقيم)
جواز اللجوء إلى منع الحمل الجراحي على النطاق الفردي للضرورة التي يقدرها الطبيب المسلم الثقة إذا استنفدت الوسائل الأخرى. أما على مستوى الأمة الإسلامية فلا يجوز شرعا وتنكر الندوة أن يكون التعقيم حركة عامة وتحذر من استخدامه في الحرب السكانية ( الديموجرافية )التي تهدف إلى جعل المسلمين أقلية في بلادهم أو في العالم .
7 ــ الإجهاض :
استعرضت الندوة آراء الفقهاء السابقين وما دلت عليه من فكر ثاقب ونظر سديد وأنهم أجمعوا على تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح أي بعد أربعة أشهر وأن آراءهم في الإجهاض قبل نفخ الروح اختلفت فمنهم من حرمه بإطلاق أو كراهة ومنهم من حرمه بعد أربعين يوما وأجازه قبل الأربعين على خلاف في وجوب العذر .
وقد استأنست الندوة بمعطيات الحقائق العلمية الطبية المعصرة والتي بينتها الأبحاث والتقنية الطبية الحديثة .
فخلصت إلى أن الجنين حي من بداية الحمل وأن حياته محترمة في كافة أدوارها خاصة بعد نفخ الروح وأنه لا يجوز العدوان عليها بالإسقاط إلى للضرورة الطبية القصوى وخالف بعض المشاركين فرأى جوازه قبل تمام الأربعين يوما وخاصة عند وجود الأعذار .
نظر الجنس لعورة الجنس الآخر:
جواز نظر الجنس إلى عورة الجنس الآخر لدواعي الكشف الطبي والمعالجة والتعليم مع الاقتصار فيما يبدو من العورة على ما تدعر إليه الحاجة.
العمل على اشتمال كليات الطب في العالم ا الإسلامي على القضايا الشرعية التي تتصل بأمرر الصحة والمرض والعلاج بالمقابل بالنسبة لكليات الدراسات ا لإسلامية.
تشكيل لجنة دائمة يشترك فيها الفقهاء والأطباء والعلماء للنظر عند الحاجة في القضايا التي يتطلب البت فيها إلى خبرات فنية ووجهات نظر شرعية .
نظرا للفائدة الكبيرة التي حققتها هذه الندوة يوصي المشتركون فيها بعقد ندوات أخرى لاحقة لمناقشة القضايا الطبية المشابهة .
هذا وقد تقدم المشاركون في الندوة بالشكر والتقدير لدولة الكويت ممثلة في وزارة الصحة والجهات الأخرى التي أسهمت على جهودهم لإنجاح هذه الندوة .
الندوة الثانية
الحياة الإنسانية : بدايتها ونهايتها في المفهوم الإسلامي
عقدت في 24 ربيع الآخرة 1405 الموافق 15 يناير 1985 م
استهدفت الندوة من خلال موضوعها توضيح الأحكام الشرعية لما يواجه الطبيب المسلم خلال الممارسة
اليومية لإجراءات المهنة الطبية، وما يترتب على نوعية هذه الممارسات من أحكام فقهية وقرارات طبية قد تؤثر على حياة الإنسان سلبا أو إيجابا توضيحا للحقيقة وحتى يتبين الحلال والحرام في إطار من الشريعة الإسلامية " لأنه مع تقدم وتطور العلوم الطبية وأمام التقنيات الحديثة فإن اجتماع أهل الطب والفقه والقانون وبحث قضية بداية الحياة ونهايتها وتحديد الرأي الشرعي للحلال والحرام من الضرورات الملحة للتعامل اليومي مع المستحدثات الطبية ".
وقد تضمنت الأبحاث الطبية والفقهية التي طرحت خلال الندوة جانب بدء الحياة الإنسانية وكذلك جانب نهاية الحياة الإنسانية من الناحيتين الطبية والفقهية.
وعملت الندوة على مناقشة المشاكل التي تواجه الأطباء في ممارستهم العملية لمهنتهم الإنسانية والتي تحتاج إلى رأي سديد يتفق مع الأحكام الشرعية حتى لا يعتمد الأطباء على اجتهاداتهم الشخصية وبالتالي استجلاء أحكام الشريعة الإسلامية في المحدثات العلمية والتي نقلت إلينا مما يتطلب وضع الضوابط الشرعية لها.
كما أتاحت الندوة من خلال لقاء علماء الشريعة الاسلامية والأطباء المسلمين توضيح الكثير من الأمور المتصلة ببداية الحياة ونهايتها وموضوع زراعة الأعضاء.
وقد انتهت الندوة التي شارك فيها نخبة من الأطباء والفقهاء ورجال القانون والعلوم الإنسانية بعد بحث موضوعي بدء الحياة ونهايتها إلى مجموعة من التوصيات.
أولا: بداية الحياة:
بداية الحياة تكون منذ التحام حيوان منوي ببويضة ليكونا البويضة الملقحة التي تحتوي الحقيبة الوراثية الكاملة للجنس البشري عامة والكائن الفرد بذاته المتميز عن كل كائن آخر على مدى الأزمنة وتشرع في الانقسام لتعطي الجنين النامي المتطور المتجه خلال مراحل الحمل إلى الميلاد.
ثانيا: منذ يستقر الحمل في بدن المرأة فله احترام متفق عليه ويترتب عليه أحكام شرعية معلومة.
ثالثا: إذا بلغ الجنين مرحلة نفخ الروح (على خلاف في توقيته فإما مائة وعشرون يوما وإما أربعون يوما) تعاظمت حرمته باتفاق وترتبت على ذلك أحكام.
رابعا: من أهم تلك الأحكام أحكام الإجهاض التي وردت في الفقرة السابعة من توصيات " ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام ".
ثانيا: نهاية الحياة:
أولا: رأت الندوة أنه في أكثر الأحوال عندما يقع الموت فلا تقوم صعوبة في معرفته استنادا إلى ما تعارف عليه الناس من إمارات أو اعتمادا على الكشف الطبي، الظاهري الذي يستبين غياب العلامات التي تميز الحي من الميت.
ثانيا: تبين للندوة أن هناك حالات قليلة العدد وهي عادة تكون تحت ملاحظة طبية شاملة ودقيقة في المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة ووحدات العناية المركزة تكتسب أهميتها الخاصة من وجود الحاجة الماسة إلى تلخيص الوفاة فيه أو لو بقيت في الجسم علامات تعارف الناس من قديم على أنها من علامات الحياة سواء أكانت هذه العلامات تلقائية في بعض أعضاء الجسم أم كانت أثرا من آثار أجهزة الإنعاش الموصولة بالجسم.
ثالثا: وقد تدارست الندوة ما ورد في كتب التراث الفقهي من الإمارات التي تدل على الموت واتضح لها أنه في غيبة نص شرعي يحدد الموت تمثل هذه الاجتهادات ما توفر آنذاك من معرفة طبية ونظرا لأن تشخيص الموت والعلامات الدالة عليه كان على الدوام أمرا طبيا يبني بمقتضاه الفقهاء أحكامهم الشرعية فقد عرض الأطباء في الندوة الرأي الطبي المعاصر فيما يختص بحدوث الموت.
رابعا: وضح للندوة بعدما تم عرضه: أن المعتمد عليه عندهم في تلخيص موت الإنسان هو خمود منطقة المخ المنوطة بها الوظائف الحياتية الأساسية وهو ما يعبر عنه بموت جذع المخ.
إن تشخيص مرت جذع المخ له شروطه الواضحة بعد استبعاد حالات بعينها قد تكون فيها شبهة وأن في وسع الأطباء إصدار تشخيص مستقر يطمأن إليه بموت جذع المخ.
أن أيا من الأعضاء أو الوظائف الرئيسية الأخرى كالقلب والتنفس قد يتوقف مؤقتا ولكن يمكن إسعافه واستنقاذ عدد من المرضى ما دام جذع المخ حيا.. أما إن كان جذع المخ قد مات فلا أمل في إنقاذه وإنما يكون المريض قد انتهت حياته ولو ظلت في أجهزة أخرى من الجسم بقية من حركة أو وظيفة هي بلا شك بعد موت جذع المخ صائرة إلى توقف وخمود تام.
خامسا: اتجه رأي الفقهاء تأسيسا على هذا العرض من الأطباء إلى أن الإنسان الذي يصل إلى مرحلة مستيقنة هي موت جذع المخ يعتبر قد استدبر الحياة وأصبح صالحا لأن تجري عليه بعض أحكام الموت قياسا مع فارق المعروف على ما ورد في الفقه خاصا بالمصاب الذي وصل إلى حركة المذبوح .
أما تطبيق بقية أحكام الموت عليه فقد اتجه الفقهاء الحاضرون إلى تأجيله حتى تتوقف الأجهزة الرئيسية.
وتوصي الندوة بأن تجري دراسة تفصيلية أخرى لتحديد ما يعجل وما يؤجل من الأحكام.
سادسا. بناء على ما تقدم اتفق الرأي على أنه إذا تحقق موت جذع المخ بتقرير لجنة طبية مختصة جاز حينئذ إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعية.